فصل: مسائل تتعلق بالاضطرار إلى أكل الميتـة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن **


وقد رواه غيره مرفوعًا مع أن يحيىا بن سليم المذكور من رجال البخاري ومسلم في ‏"‏صحيحيهما‏"‏، ورواية أبي أحمد الزبيري له عن الثوري مرفوعًا عند البيهقي والدارقطني، ضعفوها بأنه واهم فيها‏.‏ قالوا‏:‏ خالفه فيها وكيع وغيره، فرووه عن الثوري موقوفًا‏.‏

ومعلوم أن أبا أحمد الزبيري المذكور وهو محمد بن عبد اللَّه بن الزبير بن عمرو بن درم الأسدي ثقة ثبت‏.‏ وإن قال ابن حجر في ‏"‏التقريب‏"‏‏:‏ إنه قد يخطىء في حديث الثوري فهاتان الروايتان برفعه تعضدان برواية بقية بن الوليد له مرفوعًا عند البيهقي وغيره، وبقية المذكور من رجال مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏، وإن تكلّم فيه كثير من العلماء‏.‏ ويعتضد ذلك أيضًا برواية عبد العزيز بن عبيد اللَّه له، عن وهب بن كيسان، عن أبي الزبير، عن جابر مرفوعًا‏.‏

ورواية يحيىا بن أبي أنيسة له عن أبي الزبير عن جابر مرفوعًا، وإن كان عبد العزيز بن عبيد اللَّه ويحيىا بن أبي أنيسة المذكوران ضعيفين؛ لاعتضاد روايتهما برواية الثقة، ويعتضد ذلك أيضًا برواية ابن أبي ذئب له، عن أبي الزبير، عن جابر مرفوعًا عند الترمذي وغيره‏.‏ فالظاهر أنه لا ينبغي أن يحكم على حديث جابر المذكور بأنه غير ثابت؛ لما رأيت من طرق الرفع التي روي بها‏.‏ وبعضها صحيح كرواية أبي أحمد المذكورة والرفع زيادة، وزيادة العدل مقبولة‏.‏

قال في ‏"‏مراقي السعود‏"‏‏:‏ والرفع والوصل وزيد اللفظ مقبولة عند أمام الحفظ

إلخ‏.‏‏.‏‏.‏ نعم لقائل أن يقول‏:‏ هو معارض بما هو أقوى منه؛ لأن عموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ‏}‏، وقوله صلى الله عليه وسلم في البحر‏:‏ ‏"‏ هو الطهور ماؤه، الحل ميتته ‏"‏ أقوى من حديث جابر هذا؛ ويؤيد ذلك اعتضاده بالقياس؛ لأنه لا فرق في القياس بين الطافي وغيره‏.‏ وقد يجاب عن هذا بأنه لا يتعارض عام وخاص، وحديث جابر في خصوص الطافي فهو مخصص لعموم أدلة الإباحة‏.‏

فالدليل على كراهة أكل السمك الطافي لا يخلو من بعض قوة، واللَّه تعالى أعلم‏.‏ والمراد بالسمك الطافي هو الذي يموت في البحر فيطفو على وجه الماء وكل ما علا على وجه الماء ولم يرسب فيه تسميه العرب طافيًا‏.‏

ومن ذلك قول عبد اللَّه بن رواحة رضي اللَّه عنه‏:‏ وأن العرش فوق الماء طاف وفوق العرش رب العالمين

ويحكى في نوادر المجانين أن مجنونًا مرّ به جماعة من بني راسب، وجماعة من بني طفاوة يختصمون في غلام، فقال لهم المجنون‏:‏ القوا الغلام في البحر فإن رسب فيه فهو من بني راسب، وإن طفا على وجهه فهو من بني طفاوة‏.‏

وقال البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏، باب قول اللَّه تعالى‏:‏ ‏{‏أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ‏}‏‏.‏ قال عمر‏:‏ صيده ما اصطيد وطعامه ما رمىا به‏.‏

وقال أبو بكر‏:‏ الطافي حلال، وقال ابن عباس طعامه ميتته إلا ما قذرت منها، والجري لا تأكله اليهود ونحن نأكله‏.‏

وقال شريح صاحب النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ كل شىء في البحر مذبوحه، وقال عطاء‏:‏ أما الطير فأرى أن نذبحه‏.‏

وقال ابن جريج‏:‏ قلت لعطاء‏:‏ صيد الأنهار وقلات السيل أصيد بحر هو ‏؟‏ قال‏:‏ نعم، ثم تلا‏:‏ ‏{‏وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا‏}‏‏.‏ وركب الحسن على سرج من جلود كلاب الماء‏.‏ وقال الشعبي‏:‏ لو أن أهلي أكلوا الضفادع لأطعمتهم‏.‏ ولم يرَ الحسن بالسلحفاة بأسًا‏.‏

وقال ابن عباس‏:‏ كل من صيد البحر نصراني أو يهودي أو مجوسي‏.‏ وقال أبو الدرداء في المري ذبح الخمر النينان والشمس‏.‏ انتهى من البخاري بلفظه‏.‏ ومعلوم أن البخاري رحمه اللَّه لا يعلق بصيغة الجزم إلا ما كان صحيحًا ثابتًا عنده‏.‏

وقال الحافظ ابن حجر في ‏"‏فتح الباري‏"‏، في الكلام على هذه المعلقات التي ذكرها البخاري ما نصه‏:‏ قوله‏:‏ قال عمر، هو ابن الخطاب، ‏"‏ صيده ‏"‏ ما اصطيد، و ‏"‏ طعامه ‏"‏ ما رمى به‏.‏ وصله المصنف في ‏(‏التاريخ‏)‏، وعبد بن حميد من طريق عمر بن أبي سلمة عن أبيه، عن أبي هريرة قال‏:‏ لما قدمت البحرين سألني أهلها عما قذف البحر‏؟‏ فأمرتهم أن يأكلوه‏.‏ فلما قدمت على عمر فذكر قصة‏.‏ قال‏:‏ فقال عمر‏:‏ قال اللَّه تعالى في كتابه‏:‏ ‏{‏أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ‏}‏، فصيده‏:‏ ما صيد، وطعامه‏:‏ ما قذف به‏.‏ قوله‏:‏ وقال أبو بكر، هو الصديق، الطافي حلال، وصله، أبو بكر بن أبي شيبة، والطحاوي والدارقطني من رواية عبد الملك بن أبي بشير، عن عكرمة، عن ابن عباس قال‏:‏ أشهد على أبي بكر أنه قال‏:‏ السمكة الطافية حلال‏.‏ زاد الطحاوي‏:‏ لمن أراد أكله، وأخرجه الدارقطني، وكذا عبد بن حميد والطبري منها‏.‏ وفي بعضها أشهد على أبي بكر أنه أكل السمك الطافي على الماء، وللدارقطني من وجه آخر عن ابن عباس عن أبي بكر‏:‏ أن اللَّه ذبح لكم ما في البحر فكلوه كله فإنه ذكي‏.‏

قوله‏:‏ وقال ابن عباس‏:‏ طعامه ميتته إلا ما قذرت منها، وصله الطبري من طريق أبي بكر بن حفص عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ‏}‏، قال طعامه‏:‏ ميتته‏.‏ وأخرج عبد الرزّاق من وجه آخر عن ابن عباس، وذكر صيد البحر لا تأكل منه طافيًا في سنده الأجلح وهو لين، ويوهنه حديث ابن عباس الماضي قبله، قوله‏:‏ والجري لا تأكله اليهود، ونحن نأكله‏.‏ وصله عبد الرزّاق عن الثوري، عن عبد الكريم الجزري، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه سئل عن الجرى فقال‏:‏ لا بأس به، إنما هو شىء كرهته اليهود‏.‏ وأخرجه ابن أبي شيبة عن وكيع عن الثوري به‏.‏ وقال في روايته‏:‏ سألت ابن عباس عن الجري، فقال‏:‏ لا بأس به؛ إنما تحرمه اليهود ونحن نأكله، وهذا على شرط الصحيح‏.‏ وأخرج عن علي وطائفة نحوه‏.‏ والجرى، بفتح الجيم، قال ابن التين‏:‏ وفي نسخة بالكسر، وهو ضبط الصحاح، وكسر الراء الثقيلة قال‏:‏ ويقال له أيضًا‏:‏ الجريت، وهو ما لا قشر له‏.‏

وقال ابن حبيب من المالكية‏:‏ إنما أكرهه؛ لأنه يقال‏:‏ إنه من الممسوخ‏.‏ وقال الأزهري‏:‏ الجريت نوع من السمك يشبه الحيات‏.‏ وقيل‏:‏ سمك لا قشر له‏.‏ ويقال له أيضًا‏:‏ المرماهي، والسلور مثله‏.‏ وقال الخطابي‏:‏ هو ضرب من السمك يشبه الحيات، وقال غيره‏:‏ نوع عريض الوسط، دقيق الطرفين‏.‏ قوله‏:‏ وقال شريح صاحب النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ كل شىء في البحر مذبوح، وقال عطاء‏:‏ أما الطير فأرى أن تذبحه، وصله المصنف في ‏"‏التاريخ‏"‏، وابن منده في ‏"‏المعرفة‏"‏، من رواية ابن جريج عن عمرو بن دينار وأبي الزبير أنهما سمعا شريحًا صاحب النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ كل شىء في البحر مذبوح‏.‏ قال‏:‏ فذكرت ذلك لعطاء‏.‏ فقال‏:‏ أما الطير فأرى أن تذبحه، وأخرجه الدارقطني وأبو نعيم في ‏"‏الصحابة‏"‏، مرفوعًا من حديث شريح، والموقوف أصح‏.‏

وأخرجه ابن أبي عاصم في الأطعمة من طريق عمرو بن دينار، سمعت شيخًا كبيرًا يحلف باللَّه ما في البحر دابة إلا قد ذبحها اللَّه لبني ءادم، وأخرج الدارقطني من حديث عبد اللَّه بن سرجس رفعه‏:‏ ‏"‏ أن اللَّه قد ذبح كل ما في البحر لبني ءادم ‏"‏، وفي سنده ضعف، والطبراني من حديث ابن عمر رفعه نحوه، وسنده ضعيف أيضًا، وأخرج عبد الرزاق بسندين جيدين عن عمر، ثم عن عليّ‏:‏ الحوت ذكي كله، قوله‏:‏ وقال ابن جريج‏:‏ قلت لعطاء‏:‏ صيد الأنهار وقلات السيل أصيد بحر هو ‏؟‏ قال‏:‏ نعم، ثم تلا‏:‏ ‏{‏وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ‏}‏، وصله عبد الرزّاق في ‏"‏ التفسير ‏"‏، عن ابن جريج بهذا سواء، وأخرجه الفاكهي في كتاب ‏"‏مكة‏"‏، من رواية عبد المجيد بن أبي دواد عن ابن جريج أتم من هذا وفيه‏:‏ وسألته عن حيتان بركة القشيري، وهي بئر عظيمة في الحرم، أتصاد ‏؟‏ قال‏:‏ نعم؛ وسألته عن ابن الماء وأشباهه أصيد بحر أم صيد برّ ‏؟‏ فقال‏:‏ حيث يكون أكثر فهو صيد‏.‏

وقلات، بكسر القاف وتخفيف اللام وآخره مثناة، ووقع في رواية الأصيلي مثلثة‏.‏ والصواب الأول‏:‏ جمع قلت بفتح أوله مثل‏:‏ بحر وبحار، وهو النقرة في الصخرة، يستنقع فيها الماء‏.‏ قوله‏:‏ وركب الحسن على سرج من جلود كلاب الماء، وقال الشعبي‏:‏ لو أن أهلي أكلوا الضفادع لأطعمتهم، ولم يرَ الحسن بالسلحفاة بأسًا‏.‏ أما قول الحسن الأول فقيل إنه ابن علي‏.‏ وقيل‏:‏ البصري، ويؤيّد الأول أنه وقع في رواية وركب الحسن عليه السلام وقوله‏:‏ على سرج من جلود، أي متّخذ من جلود كلاب الماء‏.‏ وأما قول الشعبي‏:‏ فالضفادع جمع ضفدع، بكسر أوله وفتح الدال وبكسرها أيضًا، وحكي ضم أوله مع فتح الدال؛ والضفادي بغير عين لغة فيه، قال ابن التين‏:‏ لم يبيّن الشعبي هل تذكى أم لا ‏؟‏‏.‏ ومذهب مالك أنها تؤكل بغير تذكية، ومنهم من فصل بين ما مأواه الماء وغيره‏.‏ وعن الحنفية، ورواية عن الشافعي‏:‏ لا بد من التذكية‏.‏

قال مقيّده عفا اللَّه عنه ميتة الضفادع البريّة لا ينبغي أن يختلف في نجاستها، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ‏}‏، وهي ليست من حيوان البحر؛ لأنها برية، كما صرح عبد الحق بأن ميتتها نجسة في مذهب مالك‏.‏ نقله عنه الحطاب والمواق وغيرهما، في شرح قول خليل‏:‏ والبحري ولو طالت حياته ببرّ، وقال ابن حجر متصلاً بالكلام السابق، وأما قول الحسن في السلحفاة فوصله ابن أبي شيبة من طريق ابن طاوس عن أبيه أنه كان لا يرى بأكل السلحفاة بأسًا، ومن طريق مبارك بن فضالة عن الحسن قال‏:‏ لا بأس بأكلها، والسلحفاة، بضم المهملة وفتح اللام وسكون المهملة بعدها فاء، ثم ألف ثم هاء، ويجوز بدل الهاء همزة حكاه ابن سيده، وهي رواية عبدوس‏.‏

وحكي أيضًا في المحكم‏:‏ بسكون اللام وفتح الحاء‏.‏

وحكي أيضًا‏:‏ سلحفية كالأول لكن بكسر الفاء بعدها تحتانية مفتوحة‏.‏

قوله‏:‏ وقال ابن عباس‏:‏ كل من صيد البحر نصراني، أو يهودي، أو مجوسي‏.‏

قال الكرماني‏:‏ كذا في النسخ القديمة وفي بعضها ‏"‏ما صاده‏"‏ قبل لفظ نصراني‏.‏ قلت‏:‏ وهذا التعليق وصله البيهقي من طريق سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس‏.‏ قال‏:‏ كل ما ألقى البحر وما صيد منه، صاده يهودي أو نصراني أو مجوسي‏.‏

قال ابن التين‏:‏ مفهومه أن صيد البحر لا يؤكل إن صاده غير هؤلاء وهو كذلك عند قوم‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن عطاء وسعيد بن جبير، وبسند آخر عن علي كراهية صيد المجوسي السمك‏.‏ انتهى، من ‏"‏فتح الباري‏"‏ بلفظه‏.‏

وقول أبي الدرداء‏:‏ في المري ذبح الخمر النينان والشمس‏.‏ المشهور في لفظه أن ذبح فعل ماض، والخمر مفعول به، والنينان فاعل ذبح، والشمس بالرفع معطوفًا على الفاعل الذي هو النينان، وهي جمع نون وهو‏:‏ الحوت والمري، بضم الميم وسكون الراء بعدها تحتانية على الصحيح، خلافًا لصاحب ‏"‏الصحاح‏"‏ و ‏"‏النهاية‏"‏، فقد ضبطاه بضم الميم وكسر الراء

المشدّدة نسبة إلى المر وهو الطعم المشهور، والمري المذكور طعام كان يعمل بالشام، يؤخذ الخمر فيجعل فيه الملح والسمك ويوضع في الشمس فيتغير عن طعم الخمر ويصير خلاًّ، وتغيير الحوت والملح والشمس له عن طعم الخمر إزالة الإسكار عنه، هو مراد أبي الدرداء بذبح الحيتان والشمس له، فاستعار الذبح لإذهاب الشدة المطربة التي بها الإسكار، وأثر أبي الدرداء هذا، وصله إبراهيم الحربي في غريب الحديث له، من طريق أبي الزاهرية، عن جبير بن نفير، عن أبي الدرداء، فذكره سواء‏.‏

وكان أبو الدرداء رضي اللَّه عنه يرى إباحة تخليل الخمر، وكثير من العلماء يرون منع تخليلها، فإن تخللت بنفسها من غير تسبب لها في ذلك فهي حلال إجماعًا، قال ابن حجر في الفتح‏:‏ وكان أبو الدرداء وجماعة يأكلون هذا المري المعمول بالخمر‏.‏ وأدخله البخاري في طهارة صيد البحر، يريد أن السمك طاهر حلال، وأن طهارته وحله يتعدى إلى غيره كالملح‏.‏ حتى يصير الحرام النجس بإضافتها إليه طاهرًا حلالاً، وهذا رأي من يجوز تخليل الخمر وهو قول أبي الدرداء وجماعة‏.‏

قال مقيده عفا اللَّه عنه والظاهر منع أكل الضفادع مطلقًا؛ لثبوت النهي عن قتلها عن النبيّ صلى الله عليه وسلم فقد قال أبو داود في سننه‏:‏ حدّثنا محمد بن كثير، أخبرنا سفيان عن ابن أبي ذئب، عن سعيد بن خالد، عن سعيد بن المسيب، عن عبد الرحمان بن عثمان، أن طبيبًا سأل النبيّ صلى الله عليه وسلم عن ضفدع يجعلها في دواء فنهاه النبيّ صلى الله عليه وسلم عن قتلها‏.‏

وقال النسائي في ‏"‏ سننه ‏"‏‏:‏ أخبرنا قتيبة قال‏:‏ حدّثنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب، عن سعيد بن خالد، عن سعيد بن المسيّب، عن عبد الرحمان بن عثمان، أن طبيبًا ذكر ضفدعًا في دواء عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فنهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن قتله‏.‏

وقال النووي في ‏"‏شرح المهذب‏"‏‏:‏ وأما حديث النهي عن قتل الضفدع فرواه أبو داود بإسناد حسن، والنسائي بإسناد صحيح، من رواية عبد الرحمان بن عثمان بن عبيد اللَّه التيمي الصحابي وهو ابن أخي طلحة بن عبيد اللَّه، قال‏:‏ سأل طبيب النبيّ صلى الله عليه وسلم عن ضفدع يجعلها في دواء فنهاه عن قتلها وسيأتي لتحريم أكل الضفدع زيادة بيان إن شاء اللَّه في سورة ‏"‏الأنعام‏"‏ في الكلام على قوله‏:‏

{‏قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا‏}‏‏.‏

وما ذكرنا من تحريم الضفدع مطلقًا قال به الإمام أحمد وجماعة، وهو الصحيح من مذهب الشافعي، ونقل العبدري عن أبي بكر الصدِّيق وعمر وعثمان وابن عباس رضي اللَّه عنهم، أن جميع ميتات البحر كلها حلال إلا الضفدع، قاله النووي‏.‏

ونقل عن أحمد رحمه اللَّه ما يدلّ على أن التمساح لا يؤكل، وقال الأوزاعي لا بأس به لمن اشتهاه‏.‏

وقال ابن حامد‏:‏ لا يؤكل التمساح، ولا الكوسج؛ لأنهما يأكلان الناس‏.‏ وقد روي عن إبراهيم النخعي وغيره‏:‏ أنه قال‏:‏ كانوا يكرهون سباع البحر كما يكرهون سباع البر، وذلك لنهي النبيّ صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع‏.‏

وقال أبو علي النجاد ما حرّم نظيره في البرّ فهو حرام في البحر ككلب الماء، وخنزيره، وإنسانه، وهو قول الليث إلاّ في الكلب، فإنه يرى إباحة كلب البرّ والبحر قاله ابن قدامة في ‏"‏المغني‏"‏، ومنع بعض العلماء أكل السلحفاة البحرية، والعلم عند اللَّه تعالى‏.‏ تنبيــه

الدم أصله دمي، يائي اللام وهو من الأسماء التي حذفت العرب لامها ولم تعوض عنها شيئًا، وأعربتها على العين، ولامه ترجع عند التصغير، فتقول دمي بإدغام ياء التصغير في ياء لام الكلمة، وترجع أيضًا في جمع التكسير، فالهمزة في الدماء مبدلة من الياء التي هي لام الكلمة، وربما ثبتت أيضًا في التثنية، ومنه قول سحيم الرياحي‏:‏ ولو أنّا على حجر ذبحنا جرى الدميان بالخبر اليقين

وكذلك تثبت لامه في الماضي والمضارع، والوصف في حالة الاشتقاق منه فتقول‏:‏ في الماضي دميت يده كرضي، ومنه قوله‏:‏ هل أنت إلا إصبع دميت ** وفي سبيل اللَّه ما لقيت

وتقول في المضارع يدمى بإبدال الياء ألفًا كما في يرضى ويسعى ويخشى ومنه قول الشاعر‏:‏ ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ** ولكن على أقدامنا تقطر الدما

وتقول في الوصف أصبح جرحه داميًا ومنه قول الراجز‏:‏ نرد أولاها على أُخراها نردها دامية كلاها

والتحقيق أن لامه أصلها ياء، وقيل أصلها واو وإنما أبدلت ياء في الماضي لتطرفها بعد الكسر كما في قوي ورضي وشجي، التي هي واويات اللام في الأصل؛ لأنها من الرضوان والقوة والشجو‏.‏

وقال بعضهم الأصل فيه دمي، بفتح الميم، وقيل‏:‏ بإسكانها، واللَّه تعالى أعلم‏.‏

{‏فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ‏}‏، لم يبيّن هنا سبب اضطراره، ولم يبين المراد بالباغي والعادي، ولكنه أشار في موضع آخر إلى أن سبب الاضطرار المذكور المخمصة، وهي الجوع وهو قوله‏:‏ ‏{‏فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ‏}‏، وأشار إلى أن المراد بالباغي والعادي المتجانف للإثم، وذلك في قوله‏:‏ ‏{‏فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ‏}‏‏.‏ والمتجانف‏:‏ المائل، ومنه قول الأعشى‏:‏ تجانف عن حجر اليمامة ناقتي ** وما قصدت من أهلها لسوائكا

فيفهم من الآية أن الباغي والعادي كلاهما متجانف لإثم، وهذا غاية ما يفهم منها‏.‏

وقال بعض العلماء‏:‏ الإثم الذي تجانف إليه الباغي هو الخروج على إمام المسلمين، وكثيرًا ما يطلق اسم البغي على مخالفة الإمام، والإثم الذي تجانف إليه العادي هو إخافة الطريق وقطعها على المسلمين، ويلحق بذلك كل سفر في معصية اللَّه‏.‏اهـ‏.‏

وقال بعض العلماء‏:‏ إثم الباغي والعادي أكلهما المحرم مع وجود غيره، وعليه فهو كالتأكيد لقوله‏:‏ ‏{‏فَمَنِ اضْطُرَّ‏}‏، وعلى القول الأول لا يجوز لقاطع الطريق والخارج على الإمام، الأكل من الميتة وإن خافا الهلاك، ما لم يتوبا، وعلى الثاني يجوز لهما لقاطع الطريق والخارج على الإِمام، الأكل من الميتة وإن خافا الهلاك، ما لم يتوبا وعلى الثاني يجوز لهما أكل الميتة إن خافا الهلاك، وإن لم يتوبا‏.‏

ونقل القرطبي عن قتادة، والحسن، والربيع، وابن زيد، وعكرمة، أن المعنى ‏{‏غَيْرَ بَاغٍ‏}‏، أي‏:‏ في أكله فوق حاجته، ‏{‏وَلاَ عَادٍ‏}‏، بأن يجد عن هذه المحرمات مندوحة، ويأكلها‏.‏

ونقل أيضًا عن السدي أن المعنى ‏{‏غَيْرَ بَاغٍ‏}‏، في أكلها شهوة وتلذذًا، ‏{‏وَلاَ عَادٍ‏}‏ باستيفاء الأكل إلى حد الشبع‏.‏

وقال القرطبي أيضًا، وقال مجاهد وابن جبير وغيرهما‏:‏ المعنى ‏{‏غَيْرَ بَاغٍ‏}‏ على المسلمين، ‏{‏وَلاَ عَادٍ‏}‏ عليهم، فيدخل في الباغي والعادي قطاع الطريق، والخارج على السلطان، والمسافر في قطع الرحم، والغارة على المسلمين، وما شاكله، وهذا صحيح‏.‏ فإن أصل البغي في اللغة قصد الفساد يقال‏:‏ بغت المرأة تبغى بغاء إذا فجرت‏.‏

قال اللَّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا‏}‏، وربما استعمل البغي في طلب غير الفساد، والعرب تقول‏:‏ خرج الرجل في بغاء إبل له، أي‏:‏ في طلبها، ومنه قول الشاعر‏:‏ لا يمنعنك من بغا ** ء الخير تعقاد الرتائم

إن الأشائم كالأيا ** من والأيامن كالأشائم

وذكر القرطبي عن مجاهد‏:‏ أن المراد بالاضطرار في هذه الآية‏:‏ الإكراه على أكل المحرم، كالرجل يأخذه العدو فيكرهونه على لحم الخنزير وغيره من معصية اللَّه تعالى، وذكر أن المراد به عند الجمهور من العلماء المخمصة التي هي الجوع كما ذكرنا‏.‏

وقد قدمنا أن آية ‏{‏فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ‏}‏، مبينة لذلك وحكم الإكراه على أكل ما ذكر يؤخذ من قوله تعالى‏:‏ ‏{‏مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ‏}‏، بطريق الأولى، وحديث‏:‏ ‏"‏ إن اللَّه تجاوز لي عن أُمّتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ‏"‏‏.‏

مسائل تتعلق بالاضطرار إلى أكل الميتـة

المسألة الأولى‏:‏ أجمع العلماء على أن المضطر له أن يأكل من الميتة ما يسد رمقه، ويمسك حباته، وأجمعوا أيضًا على أنه يحرم عليه ما زاد على الشبع، واختلفوا في نفس الشبع هل له أن يشبع من الميتة أو ليس له مجاوزة ما يسدّ الرمق، ويأمن معه الموت‏.‏

فذهب مالك رحمه اللَّه تعالى إلى أن له أن يشبع من الميتة ويتزود منها، قال في ‏"‏ موطئه ‏"‏‏:‏ إن أحسن ما سمع في الرجل يضطر إلى الميتة، أنه يأكل منها حتى يشبع، ويتزود منها، فإن وجد عنها غنى طرحها‏.‏

قال ابن عبد البر‏:‏ حجة مالك أن المضطر ليس ممن حرمت عليه الميتة، فإذا كانت حلالاً له أكل منها ما شاء حتى يجد غيرها، فتحرم عليه وذهب ابن الماجشون وابن حبيب من المالكية إلى أنه ليس له أن يأكل منها إلا قدر ما يسدّ الرمق ويمسك الحياة وحجتهما‏:‏ أن الميتة لا تباح إلا عند الضرورة، وإذا حصل سد الرمق انتفت الضرورة في الزائد على ذلك‏.‏

وعلى قولهما درج خليل بن إسحاق المالكي في ‏"‏مختصره‏"‏، حيث قال‏:‏ وللضرورة ما يسدّ غير ءادمي‏.‏